-->

هذه فلسفة رجب اردوغان التي تثير جنونه .. !




هذه هي فلسفة رجب اردوغان الذي قد ينتقل، في أي لحظة، من الصراخ حول قضية جمال خاشقجي الى التهديد العلني، أو الخفي، بكشف الأوراق الخاصة بالدور السعودي في تمويل، وتسليح، وادارة، الفصائل الأكثر همجية على الساحة السورية.

الرئيس التركي يكاد يصاب بـ«الجنون» ليس فقط لأن المملكة تتجه الى اعادة احياء علاقاتها السياسية مع سوريا، وانما أيضاً لكونها ستضطلع بدور محوري في اعادة اعمارها، ما يعني وضع السنوات الماضية، بكل ابعادها التراجيدية، جانباً، والعودة بالعلاقات الى ما يمكن أن يسمى بـ «الزمن الجميل».

لا أحد يشكك في التداعيات الهائلة لتلك المرحلة، في الوجدان السياسي، والسوسيولوجي، السوري. أليست السعودية من تولت تعبئة البلدان العربية، وبشعارات مذهبية قاتلة، ضد النظام في سوريا؟

الكل يذكر كيف ادارت اللعبة الجهنمية في القاهرة لتجميد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية. ولم يكن هناك من أحد مستعد للاصغاء لمحمد حسنين هيكل، وهو يسأل : أي عرب، وأي دول عربية، بل اي جامعة عربية، من دون سوريا؟

من لا يعلم بقصة المليارات التي ذهبت الى أنقرة لكي تفتح أبوابها، ومعسكراتها، وتفتح حتى ملاهيها الليلية، أمام قادة تنظيم الدولة الاسلامية، كما أمام الضباع التي تولت أجهزة استخبارات متعددة استجلابها من البلدان الأوروبية، أو من شمال أفريقيا، وصولاً الى آسيا الوسطى والقوقاز ؟

الأوراق مشتركة، الأدوار مشتركة، والى حد تشكيل مجلس للتعاون الاستراتيجي بين أنقرة والرياض، دون أن يفتح السعوديون آذانهم للنصائح المتلاحقة بأن من يمد يده الى أردوغان انما يمدها الى أشداق الذئب.

كل ما كان يعني البلاط تقويض النظام، بالأحرى تقويض الدولة، وعلى أساس أن استيعاب الضباع اياهم أكثر من ممكن، بالمال أو بالتعليب الايديولوجي (المستحيل).

داخل العائلة المالكة، هناك من حذر من الذهاب بعيداً في اللعب مع الرئيس التركي لأن النيوانكشارية التي بين يديه، أي «الاخوان المسلمون»، موجودون فوق الأرض، وتحت الأرض، في سائر البلدان العربية.

الآن لا أثر للعرب على كامل المسرح السوري. بعد نحو ثماني سنوات من ادارة النيران، وادارة الدماء، سقطوا حفاة عن الخشبة. ما فعله رجب طيب اردوغان في ملف جمال خاشقجي، أظهر مدى الزبائنية، ومدى المكيافيلية، ومدى النرجسية، في شخصية الرجل الذي يلاحقه صهيل الخيول العثمانية على مدار الساعة .

كيف له أن يتحمل عودة الدولة، وعودة الدور، وعودة الدورة الاقتصادية، الى سوريا، وبوجود عربي مكثف، وبعدما بدأ يتوجس من أن«المصالحة الكبرى» بين دمشق والرياض قد تفضي، وهذا منطق الأشياء، الى «المصالحة الكبرى» بين طهران والرياض.

العرب في أسوأ حال . الارتجاج السياسي، الارتجاج الاقتصادي، الارتجاج الاجتماعي. هذا لا يعني أن المشهد سيبقى على حاله، وأن باستطاعة اردوغان أن يذهب باللعبة الى حدودها القصوى اذا ما عاد السعوديون، ومعهم المصريون، بعد الاماراتيين، الى دمشق.

هذا الوضع يريح ايضاً بغداد التي كان عليها ان تستخدم ميزان الذهب في ارساء التوازن الصعب، حتى في يومياتها السياسية، بين دمشق والرياض وطهران وواشنطن.

بعبارة أخرى، سيكون بامكان عادل عبد المهدي أن يتحرك في الحلبة، وفي السياق العربي اياه، للحد من الوضع الهيستيري للرئيس التركي الذي لا تعوزه المعلومات حول القنوات المفتوحة بين عاصمة الأمويين وعواصم عربية محورية.

محادثات وزيري الخارجية والدفاع التركيين في موسكو كانت «شاقة». المواقف بدت متباعدة حول الآليات الخاصة بالتعامل مع التطورات المستجدة في شرق الفرات.

ما تبين لسيرغي لافروف، وسيرغي شويغو، أن أنقرة لها مفهومها «العثماني» ان للسيادة السورية، أو لوحدة الأراضي السورية، أو للتسوية في سوريا، لكأن اردوغان يريد أن تكون له اليد الطولى حتى في اختيار رئيس الوزراء السوري، وفي اختيار وزير الدفاع السوري.

هذه المفاهيم لا يمكن أن تتسق، أو تتقاطع، مع الرؤية الروسية التي تعتبر أن الأولوية ينبغي ان تتمحور حول مساعدة السلطة السورية على اعادة بناء الدولة، وأيضاً على بلورة الديناميات الخاصة بمعالجة الآثار المدمرة للحرب، على المستويات كافة، لا السعي، بجنازير الدبابات، وبجحافل المرتزقة، الى الحصول على حصة في «الكعكة السورية».

كما لو أن ما جرى، في السنوات المنصرمة، وحيث الرهان التركي الصارخ على غزو سوريا، لم يكن كافياً. ما يمكن تأكيده أن دولاً أوروبية اتصلت بكل من واشنطن وموسكو مبدية مخاوفها حيال أي توجه لاعادة احياء السلطنة.

الروس قدموا مقترحات عملية، وعملانية، لسحب ورقة منبج من يد أنقرة، وتفادياً لصدام خطير، وبتبعات كارثية، بين القوات التركية والقوات السورية. الاجابة التركية جاءت ضبابية، وتشي باحتمالات حساسة، قبل أن يقول البيت الأبيض بـ«الانسحاب الذكي».

اذا كان رجب طيب اردوغان يظن أن دونالد ترامب سيخلي له الساحة (والآن تدريجياً ) في شرق الفرات، يفترض أن يتأمل بدقة في ما حدث، وما يحدث، على الأرض السورية. الأيام المجنونة انتهت. سوريا كلها داخل الخطوط الحمراء.

اشترك في آخر تحديثات المقالات عبر البريد الإلكتروني:

إعلان أسفل عنوان المشاركة

إعلان وسط المشاركات 1

إعلان وسط المشاركات اسفل قليلا 2

إعلان أسفل المشاركات