مخطط خطير "يطبخ" في أروقة البيت الأبيض ... فما الذي يحضره ترامب للشرق الأوسط !
26.12.18
ضجت وسائل الإعلام العربية والعالمية في الأيام القليلة الماضية بخبر قرار سحب القوات الأميركية من سوريا بعد تغريدة نشرها الرئيس الأميركي دونال ترامب على تويتر وبعد اتصال هاتفي مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان حيث قال له:"سوريا كلها لك.. لقد انتهينا"! وعلى الرغم من وعود ترامب بخروج العسكر الأميركي من سوريا خلال حملته الانتخابية، إلا أن القرار جاء مفاجئا خاصةً بعد صرامة الموقف الأميركي تجاه الرئيس السوري بشار الأسد في العام الأول من رئاسة ترامب حيث أمر بقصف قاعدة الشعيرات يوم 7 نيسان 2017 بصواريخ توماهوك متوجها بكلمات نابية للرئيس بشار الأسد، ثم عاد بعد عام أي يوم 14 نيسان 2018 وأعلن حملة عسكرية على دمشق موجها ضربات جوية بالتعاون مع بريطانيا وفرنسا على سوريا وسمي بالـ"عدوان الثلاثي".
و بقراره بالإنسحاب، تخلّى الرئيس الأميركي عن الأكراد، الذين اتهموا القيادة الأميركية بالخيانة، بالتزامن مع العملية العسكرية التركية المرتقبة شرق نهر الفرات لمواجهة قوات سوريا الديمقراطية الكردية ووحدات حماية الشعب الكردي. فقد دفع الرئيس اردوغان بتعزيزات عسكرية إضافية كبيرة على الحدود مع سوريا، وقد وصلت التعزيزات التي تضم مركبات عسكرية من بينها ناقلات جنود مدرعة، الى مدينة غازي عنتاب واتجهت الى منطقة هاتاي وسط تدابير أمنية مشددة. وقد أكد تولّي أنقرة مهمة الدفاع ومحاربة ” داعش” بنفسها وأنها تحتاج دعما لوجستيا فقط من واشنطن.
و"تحتل" تركيا اليوم مدينتي عفرين ومنبج السوريتين وتبسط سيطرتها على العديد من الأراضي السورية على الحدود التركية.
فهل أعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر لتركيا ميدانيا للتصعيد شرق نهر الفرات واحتلال تلك المنطقة مع عفرين ومنبج ثم ضمها الى "السلطنة" التركية، وتأتي من بعدها واشنطن وتبني قواعد عسكرية بها على أساس أنها مدن "تركية" فتعود وتقوي وجودها في الشرق الأوسط، فتكون كذلك خطوة لعودة العلاقة الأميركية-التركية التاريخية الى مجاريها وتتبادل عنده الدولتان الأدوار وتتقاسمان النفوذ في المنطقة، خاصةً بعد مخاوف واشنطن من ترسيخ الحلف الثلاثي الروسي – الايراني – التركي وخروج أنقرة الكامل من الشراكة مع واشنطن ما سيضعف الوجود الأميركي في المنطقة!؟
مما لا شك فيه أن الخروج الأميركي من سوريا هو خروج "غير نظيف" ويحمل أبعاد ومخططات أخطر مما يتصوره البعض، وطبعا هو ليس باستسلام أميركي، فكيف لدولة أنفقت 7 تريليون دولار في سوريا أن تخرج خاوية اليدين دون السيطرة على مصادر تدر لها الأرباح؟
وكيف للرئيس الذي خرج من الاتفاق النووي الايراني غير مباليا بتداعياته والذي لا يترك فرصة الا ويهاجم بها طهران والمشدد على أهمية الوجود الأميركي في سوريا بهدف عدم السماح لايران وحلفائها بتقوية نفوذهم، أن "يُفرغ" القاعدة الأميركية الرئيسية في التنف والتي تعتبر القاعدة الأقوى في منع ايران من التقدم، فخروج الأميركيين من هذه القاعدة يفتح ممرا سالكا من أجل نقل طهران ما تريد، كما سيسمح بانتشار الجيش العربي السوري على كامل الشريط الحدودي بين سوريا والعراق وسيعيد التواصل بين أقطاب المقاومة مرورا بـ طهران – بغداد – دمشق – الضاحية الجنوبية – القدس – اليمن.
قد يكون ما كتبت مغايرا لكل ما كتب في الصحافة ومن وجهة نظر مختلفة كليا، انما متابعتي لسياسة ترامب الخارجية جعلتني مقتنعة بأن هنالك "طبخة" تحضّر في أروقة البيت الأبيض، فالرئيس ترامب لا يقبل بالخسارة ودائما ما يصدر قرارات مثيرة للجدل يتبيّن هدفها بعد فترة، كما يلجأ معظم الوقت الى سياسة المراوغة، ولعلّه أراد هذه المرة أن يُرجع السهم الى الوراء قبل أن ينطلق بقوة الى الأمام، ودعونا لا ننسى أن القوات الأمريكية شرعت في إنشاء قاعدة عسكرية جديدة في شهر حزيران، شمال العراق قرب الحدود السورية، على قمة جبل سنجار شمال غربي الموصل.